فصل: فصل تولد الجنين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.فصل تولد الجنين:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
إذا اشتملت الرحم على المني.
إلى قوله: وإذا ولد لم يحصل النوم.
الشرح:
كل جسم طبيعي فإن تحققه إنما يكون محصول صورته النوعية إذا حصلت لتلك المادة استعداد لقبول تلك الصورة وإنما يكون ذلك إذا حصل لتلك المادة الكيفية التي بها يكون ذلك الاستعداد أعني الاستعداد لقبول تلك النفس وإنما يحصل ذلك لتلك المادة بأن يكون بكيفية بعدها لتلك النفس وذلك لأن المادة بذاتها قابلة لجميع الصور وجميع النفوس واجتماع صور كثيرة فيها أو نفوس كثيرة محال فلا بد في قبول بعض أي في قبول أن يحصل للمادة صورة معينة دون غيرها ويتعلق بها نفس بعينها دون غيرها من أمور تقتضي ذلك فلذلك المادة إذا سخنت بإفراط تعذر عليها في أن تتصور بصورة الماء وكانت صورة النار بها أولى فلذلك يقال إن هذه المادة مستعدة للصورة النارية وإنها غير مستعدة للصورة المائية وكذلك المادة إذا بردت استعدت للصورة المائية ولم تستعد للصورة النارية وكذلك إذا كانت المادة خارجة جدًّا عن الاعتدال الحقيقي لم تكن مستعدة لتعلق النفس الإنسانية بها البتة وكانت مستعدة للتعلق بنفس أخرى أو غير مستعدة للتعلق بنس البتة فلذلك المعد لحصول صورة معينة أو للتعلق بنفس معينة إنما يكون لكيفية تقتضي للمادة ذلك فلذلك مهما حصلت تلك الكيفية لمادة ما أعدتها لحصول الصورة المناسبة لها وللتعلق بالنفس المناسبة لها والله تعالى لكرمه لا يمنع مستحقًا مستحقه فلذلك يعطي كل مادة ما تستعد له من الصور والنفوس فلذلك إذا اجتمع المنيان في الرحم واختلطا وحصل من اختلاطهما مزاج إنساني استعد ذلك الممتزج من المنيين لقبول صورة الإنسان والتعلق بنفس إنسانية وحصل له من ذلك من الله تعالى.
وسبب هذا الامتزاج أن الرحم بطبعه شديد الاشتياق إلى مني الرجل حتى إنه يحصل له عند الجماع أن يعرض له الارتعاد ويتحرك إلى البروز للتوصل إلى مني الرجل لو لا الأربطة المانعة من البروز فإذا كان كذلك فهولا محالة يشتد جذبه لما حصل في داخله من مني الرجل.
وإذا لاقى هذا المني جرم الرحم التذ به لا محالة كثيرًا جدًّا بما فيه من السخونة والإدفاء المعتدلين وصار ذلك كماء معتدل السخونة صب على بدن قد برد ومع هذا الالتذاذ الشديد لا بد من أن يحدث له تألم بما يحدثه ذلك المني بحدته من اللذع وتفريق اتصال جرم الرحم فتختلط تلك اللذة الشديدة بهذا الألم فيشتاق لذلك الرحم إلى ما يزيل ذلك السبب المؤلم ومني المرأة رطب قليل الحرارة فلذلك يحتاج جرم الرحم إلى جذبه لدفع ذلك الألم فينجذب المنيان إلى سطح الرحم ويلزم ذلك شدة اختلاطها وجميع الأجسام التي في هذا العالم المختلفة الطبائع يحدث لها لا محالة تفاعل يؤدي إلى كيفية متوسطة بين تلك الطبائع المختلفة.
وتلك الكيفية تسمى مزاجًا فلذلك لا بد من حدوث هذا المزاج عن اختلاط المنيين فيكون هذا المزاج قريبًا جدًّا من الاعتدال لأجل تكافؤ قوى المنين في الخروج عن الاعتدال.
فلذلك يستعد المركب حينئذٍ منهما لحصول صورة إنسانية وللتعلق بنفس إنسانية وإنما تنتع النفس بذلك إذا صار بدنًا.
فلذلك تحتاج تلك النفس الجاذبة إلى تكميل ذلك المجتمع من المنيين وذلك بأن يصير بدنًا إنسانيًا وإنا يمكن ذلك لقوى تحدث له فيفعل فيه ذلك وهو في تلك الحال غير قابل لجميع القوى التي للإنسان فلذلك تقبض عليه من القوى ما يمكن قبولها أو لًا وتلك هي القوة الحيوانية فإن جميع أفعال الإنسان وقواه موقوفة على الحياة.
والقوة الحيوانية إنما تقوم بروح حيواني فلذلك يحتاج هذا الممتزج أن يحدث فيه أو لًا روح حيواني وحدوث هذا الروح أسهل لا محالة من حدوث الأعضاء.
فلذلك يحدث له أو لًا هذا الروح وذلك بأن يتبخر من ذلك المني لأجل تسخنه في الرحم أبخرة لطيفة وتلك الأبخرة هي لا محالة من أجزاء دموية قد كمل نضجها وتلطفت بالحرارة فلذلك هذه الأجزاء البخارية تخالط ما يكون في الرحم من الهواء الواصل بعضه من عنق الرحم بعضه من الشرايين النافذة في جرم الرحم ويحدث من اختلاط ذلك جرم شديد الاستعداد للاستحالة إلى جوهر الروح فإذا نفذ من أرواح الأم شيء إلى داخل الرحم من أفواه الشرايين النافذة فيه أحاله ذلك الجرم روحًا.
وتلك الروح يتصور بالقوى الحيوانية فلذلك يحدث لهذا المني أو لًا قوة حيوانية قائمة بروح حيواني وهذه القوة والروح محال أن يضيعا حينئذٍ وأن يتركا منيين في فضاء الرحم بل لا بد من نفوذهما حينئذٍ إلى داخل ذلك المني وليس موضع منه أولى من آخر فيجب أن يجولا في وسطه فلا بد من أن يحدث لهما حينئذٍ مكان ينحصران فيه فلذلك يحدث لهما في المني تجويف ينحصران فيه وذلك التجويف إذا تم خلقته بعد ذلك الوقت كان هو البطن.
وذلك المنفذ لا بد من تصلبه بتدافع أجزاءه عند نفوذ ما ينفذ فيه والحرارة هناك تزيده انعقادًا فيكون من ذلك السرة فلذلك السرة أول عضويتم فيه تكونه وتجويف القلب أول عضو يحدث في المني لكن صلابة جرم القلب تمنع من سرعة تكونه فلذلك تمام تكون السرة يسبق تمام تكون القلب وتجويف القلب يسبق حدوث السرة لأنها إنما تحدث بعد احتياج الروح المحوية في تجويف القلب إلى نفوذ الهواء إليه.
والمنفذ الذي تكون فيه السرة ثم بعد أن يصير الجنين حيًا مغتذيًا يحتاج أن يصير مع ذلك حساسًا متحركًا بالإرادة وإنما يمكن ذلك بتعدل القوة الحيوانية حتى يمكن صدور تلك الإرادة عنها وإنما يمكن ذلك بعضو بارد ورطب فإن هذه الروح حارة قليلة الرطوبة الندية فإنما يعتدل بعضو هو كذلك وهذا العضو البارد الرطب هو الدماغ على ما بيناه في موضعه فلذلك يحتاج الجنين أن يتكون له الدماغ وابتداء تكونه وإن كان متأخرًا فإن تمامه يتقدم تمام تكون القلب وذلك لأن الرطوبة أقبل للانفعال والتخلق من غيرها فلذلك تمام تكون الدماغ يظهر في الجنين قبل تمام تخلق القلب ثم الدم الواصل إلى الجنين من بدن الأم يحتاج إلى أن يستحيل إلى مشابهة مزاج الجنين ومشابهة جوهر أعضائه والعضو الذي يتم فيه تكون الدم الغاذي للبدن هو الكبد فلذلك يحتاج الجنين إلى أن يتكون الكبد لأجل إصلاح ما يرد إليه من بدن الأم فإن ذلك الوارد لحدته ويبوسته لا يصلح لغذاء الجنين ما لم يتعدل وينصلح مزاجه في الكبد فلذلك يتكون الكبد وربما سبق أيضًا تمام تكونها لتمام تكون القلب لأنها عضو رطب بخلاف القلب.
وقبل هذه الأحوال جميعها لا بد من أن يكون الغشاء الأول الذي يسمى المشيمة وذلك لان وصول الروح والدم إلى داخل المني إنما هو من العروق التي في هذا الغشاء.
وكيفية تكونه أن المني عند أول وروده إلى داخل الرحم لا بد أن يتسخن بحرارة باطن الرحم.
وهذه الحرارة لا بد من أن ينبسط جرمه فيزداد حجمه.
والغشاء الباطن من غشاءي الرحم لا بد من اشتماله على ذلك المني فلذلك لا بد للمني حينئذٍ أن يلاقي ذلك السطح وقوام المني لزج وكل لزج لاقى سطحًا حارًا فلا بد من انعقاد ظاهر ذلك الجسم بحرارة ذلك السطح ويلزم ذلك أن يحدث في ظاهر المني جرم غشائي وفي الغشاء الباطن من غشاءي الرحم عروق كثيرة ساخنة وضاربة من أفواه تلك العروق تقضي إلى داخل الرحم لأن من هذه العروق ينفذ دم الطمث ويرتفع ما يرتفع من فضل المادة التي تفضل من غذاء الجنين إلى الثديين فيحدث منهما اللبن وكذلك الأرواح والنسيم الواردان إلى الرحم إنما يردان إليه من هذه الأفواه التي للشرايين وهذه الأفواه لأنها أطراف العروق تكون لا محالة صلبة خشنة وكذلك إذا ماس المني باطن الغشاء الثاني من غشاءي الرحم وهو الداخل فلا بد من أن يلتصق بهذه الأفواه ما يلاقيها من جرم المني فيتعلق لا محالة بها وإذا تفشش ما في المني من الجرم المخلخل لجرمه الباسط له عاد المني إلى حجمه الأول فنزل بذلك عن مماسته جرم هذا الغشاء الداخل من غشاءي الرحم وبقيت الأجزاء الملتصقة بتلك الأفواه ملازمة لها فامتد من تلك الأجزاء خيوطًا متصلة من تلك الأفواه إلى الغشاء الحادث على سطح المني وبعض هذه الخيوط يتصل بأفواه الأوردة وبعضها يتصل بأفواه الشرايين فإذا نزل الدم من الأوردة ونزلت الروح من الشرايين نفذ كل واحد منهما في الخيوط المتصلة بأفواه عروقه فلذلك ينفذ الدم في الخيوط المتصلة بأفواه أو ردة الرحم وتنفذ الروح في الخيوط المتصلة بشرايين الرحم فلذلك تصير تلك الخيوط مجوفة كأنها وصلات لأوردة الدم وشرايينها وتتحد التي ينفذ فيها الدم فيصير غرقًا واحدًا ينفذ في السرة في كبد الجنين لأجل تغذيته وتتحد التي فيها الروح فتصير عرقًا وواحدًا ينفذ في السرة إلى تجويف قلب الجنين لأجل إفادة الروح وتعديلها بالنسيم ثم بعد ذلك يعرض للمني أن يتسخن كرة أخرى ويربو ويتخلخل حتى يلاقي الغشاء الداخل فيلزم ذلك أن يعرض لتلك الخيوط التي صارت عروقًا انعطافات على الغشاء الداخل على سطح المني لأجل لزوجة المني تلتصق تلك العروق المنعطفة بذلك الغشاء فإذا تخللت الحرارة من ذلك المني كرة أخرى وضمر وصغر حجمه عاد كرة أخرى نازلًا من ملاقاة الغشاء الداخل من غشاءي الرحم ويلزم ذلك تمدد ما بقي من تلك العروق غير منعطف فإذا عاد المني بعد ذلك إلى التسخين والتخلخل وارتفع إلى ملاقاة الغشاء الداخل عرض لتلك العروق الممتدة انعطافات كثيرة أخرى ولصق بالغشاء الحادث على سطح المني كما عرض أو لًا ثم إذا عاد المني إلى تجمعه كرة أخرى وامتد ما بقي منها غير منعطف ولا يزال الأمر كذلك حتى تكثر تلك العروق الملتفة جدًّا وحينئذٍ إذا تسخن المني وتخلخل حتى لاقى جرم الغشاء الداخل من غشاءي الرحم وينخرق منه أجزاء منوية فلاقت ذلك الغشاء حدث من تلك الأجزاء غشاء آخر فوق تلك العروق تحفظ أوضاعها فلذلك تبقى تلك العروق الكثيرة كلها بين هذين الغشاءين وجملة ذلك يقال له المشيمة ومن هذه المشيمة يكون غذاء الجنين ووصول الروح والنسيم إلى بدنه ثم بعد ذلك يحدث للجنين غشاءان آخران أحدهما في الشهر الثاني وثانيهما في الشهر الثالث. وسنتكلم فيهما فيما بعد.
قوله: زبدية المني هو من فعل القوة المصورة والحقيقة في حال تلك الزبدية تحريك من القوة المصورة لما في المني من الروح النفساني والطبيعي والحيواني إلى معدن كل واحد منه.